آثار مصر الشمالية مهددة بالاختفاء
الشروق الجديدالشروق الجديد : 13 - 12 - 2009

من كان يتخيل أن مواقع أثرية شهيرة تقف الآن شاهدا على حكاية مصر والمصريين عبر التاريخ، أصبحت معرضة للاختفاء بفعل التغيرات المناخية؟
هذا ما يحذر منه د.عبدالفتاح البنا، أستاذ ترميم المواقع الأثرية بكلية الآثار جامعة القاهرة، والحاصل على دكتوراه فى الجيولوجيا الهندسية من جامعة وارسو، فى دراسته «مواجهة آثار التغيرات المناخية المرتقبة على المدن التراثية الساحلية فى مصر».
يرصد الباحث مواقع مرشحة للاختفاء، منها فى الإسكندرية مثلا قلعة قايتباى، مقابر الشاطبى، ومصطفى كامل، والأنفوشى، وكوم الشقافة، وشارع تيجران.
ولا يختلف الأمر كثيرا فى مدن رشيد، ودمياط، وبور سعيد، وتل الفرما بشمال سيناء، والتى تتعرض لنفس المخاطر التى تتعرض لها المواقع الأثرية بمدينة الإسكندرية حيث تنتشر هذه المدن التراثية على طول 350 كم هو امتداد خط الشاطئ من الإسكندرية غربا حتى سهل الطينة بشمال سيناء شرقا.
اختفاء الشاطبى والمسرح الرومانى
يشير الباحث إلى أن ظاهرة الاحتباس الحرارى والتغيرات المناخية ستؤدى إلى ارتفاع منسوب سطح البحر بمقدار 50 سم عام 2050 يصل إلى متر واحد عام 2100، مع ما سيؤدى إليه ذلك من غرق الشواطئ المصرية، خاصة المناطق والجيوب المنخفضة بمعدل 30% أو ثلث مساحة هذه المدن الساحلية والتراثية، دون أن ينتبه القائمون على إدارة المناطق الأثرية السياحية فى مصر لهذا الحدث.
وفيما يتعلق بالمواقع الأثرية الموجودة بالإسكندرية، يقول البنا إنه: فى حالة التغيير المتوقع فى المناخ وارتفاع مستوى سطح البحر، وجد أنه بالتحليل الجيومورفولجى لمواقع الآثار على اليابسة مثل مقابر الشاطبى، مصطفى كامل، الانفوشى، كوم الشقافة، شارع تيجران، جنبا إلى جنب مع موقع كوم الدكة الذى يضم المسرح الرومانى أن هذه المواقع شديدة القرب من بعضها البعض وتمتد فى أعماق الأرض لمسافات بعيدة مما يجعل مناسيبها تحت منسوب سطح البحر كما هو الحال فى مقبرة الكتاكومب بكوم الشقافة. هذا فضلا عن المناطق الواقعة تحت ارتفاع منسوب سطح البحر بمتر أو أكثر تحتوى على ثروة مهمة متمثلة فى الآثار الغارقة فى مياه ضحلة بمحازاة شواطئ المدن الشمالية كما هو الحال فى خليج أبوقير والميناء الشرق القديم بالإسكندرية.
ضياع الآثار الغارقة
أما عن الانعكاسات الرئيسية المتوقعة لارتفاع سطح البحر على المواقع الأثرية الساحلية المنخفضة فستتمثل فى فيضان مياه البحر لتصبح هذه المواقع مغمورة بالمياه كمثيلاتها فى الميناء الشرقى وخليج أبوقير، وبالنسبة للأماكن الأكثر ارتفاعا فستعانى من اختلاط مياه البحر بالمياه تحت السطحية العذبة، الأمر الذى سيزيد من ملوحتها والتى ستأثر تباعا على الآثار القائمة. وفى حالة الآثار المغمورة فى المياه الضحلة الآن فى أبوقير والميناء الشرقى، فمن المتوقع أن يؤدى ارتفاع مستوى سطح البحر إلى تغيير معالم قاع المنطقة البحرية قبالة الشاطئ، ومن شأن هذه التغيرات أن تيسر زوال الرمل من أسفل بقايا الآثار المغمورة وأن تعجل بالتالى فى انطمارها.
تآكل الآثار بالرمال والرياح
وبشكل عام ترصد دراسة د.البنا عددا من العوامل المرتبطة بالتغيرات المناخية والمتوقع أن تهدد المواقع الأثرية المصرية، ومعها الحركة السياحية «كمورد مهم من موارد الثروة الطبيعية فى مصر يمثل نحو (10%) من الدخل القومى»، ومن هذه العوامل أن: اختفاء بعض الشواطئ الساحلية فى الساحل الشمالى سوف يؤدى إلى فقدان العديد من الآثار القائمة فى المدن المهددة بالغرق، كما أن تشبع التربة بمياه البحر سيحرك التراكيب الجيولوجيا النوعية كالطفلة ذات الخصائص الإسفنجية، مما يزيد من الحركة النسبية والانزلاقات على المنحدرات تنتهى بتدمير تام للمنشآت الأثرية القائمة فى نطاق هذه التراكيب الجيولوجية.
وبالإضافة إلى ما سبق فإن زيادة درجات الحرارة والرطوبة سوف يؤدى إلى سرعة تدهور الآثار ونقص عمرها، كما أن السيول غير المتوقعة وسوء التخطيط سيؤدى إلى انهيار الآثار القائمةخاصة المقامة فى مناطق مخرات السيول، هذا فضلا عن أن هبوب الرياح وزيادة سرعتها سيؤدى إلى حمل الأتربة والرمال مما يزيد من معدلات تآكل أسطح الآثار إلى جانب التأثير الميكانيكى لحمل الرياح، وهو الأمر الذى سيؤدى فى النهاية إلى تأثر حركة السياحة فى مجملها كنتيجة طبيعية لتأثر المواقع الأثرية.
المواجهة: مصدات للهواء وكواسر للموج
وفيما يتعلق بالاحتياطات اللازمة للحماية يطرح د.البنا عددا من الأفكار والشروط من بينها: نشر ثقافة الكوراث وتدعيم السيناريوهات الجماعية والعمل الجماعى، وتشكيل مجموعات عمل من المتخصصين فى أفرع الجيولوجيا الهندسية وصيانة المواقع الأثرية، وعلوم المياه، والهندسة الإنشائية والآثاريين وغيرهم لإدارة البيئة الساحلية فى مواجهة تهديد ارتفاع منسوب سطح البحر المرتقب، ووضع خطط للتنمية فى المناطق الساحلية بعد التأكد من اكتمال «التغذية الصناعية» بساتر من المصدات على أبعاد لا تقل عن خمسة كيلومترات من الشاطئ، مما يسمح بوجود شواطئ هادئة، مع الصيانة الدورية للشواطئ والسواتر ومصدات الرياح.
وإلى جنب ما سبق، يجب «حصر المناطق القريبة من الساحل بشكل توثيقى ودراسة احتياجاتها الضرورية لعملية المواجهة مثل منطقة تل الفرما، ورشيد، وأبوقير، والميناء الشرقى، وقلعة قايتباى التى تعرضت آثارها للغرق من قبل فى عصور سابقة. وكذلك مراقبة المناطق شديدة الانحدار عن مستوى السطح مما يجعلها عرضة لتجمع المياه مثل منطقة سهل الطينة بشمال سيناء، ومقابر الأنفوشى وكوم الشقافة بالإسكندرية. والاهتمام ببناء مصادات الأمواج وبناء الكواسر، مع مراعاة أن تكون هذه المصدات على مسافات مناسبة من الشاطئ، تكاتف كل العاملين فى الحقل الأثرى بل تكاتف الشعب المصرى فى معركته مع الطبيعة للحفاظ على السجل المرئى لمدنه التاريخية فى شمال الإقليم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

د . عبد الفتاح البنا بعد زيارة شارع المعز :

مبنى مجلس شورى النواب ... قراءة فنية في سماته الإنشائية